الرئيسية / السودان / السودان يراهن على القطاع الخاص لكسر الحصار

السودان يراهن على القطاع الخاص لكسر الحصار

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 19-06-2016
  • 96
السودان يراهن على القطاع الخاص لكسر الحصار
  • المصدر: العربي الجديد

فتحت السودان أبوابها لاستقبال الاستثمارات الأجنبية المباشرة، منذ بداية التسعينيات، متأثرة في ذلك بسيطرة الرأسمالية المتوحشة على مقدرات الاقتصاد العالمي.
والسودان إحدى الدول الأشد فقراً على مستوى العالم، ويعد توجهها لاستقدام الاستثمارات الأجنبية أحد الأهداف للحصول على تمويل مشروعات تنموية تساعد في القضاء على الفقر والبطالة.
وفي محاولة للخروج من الحصار الاقتصادي المفروض عليها بموجب العقوبات الاقتصادية من الولايات المتحدة، تسعى السودان لإصدار تشريع يسمح لقطاعها الخاص بجذب واستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث تعول الخطة الاقتصادية للبلاد على دور كبير للقطاع الخاص يتجاوز نسبة 89%.

ومن المخطط أن يشكل مجلس للتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص يتكون من 100 عضو، تمثل فيه الحكومة بـ 14 عضواً فقط، وتكون مهمته النظر في المعوقات التشريعية والإدارية التي تحد من انطلاق القطاع الخاص.
لكن هل ستنجح هذه الخطوة في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة للسودان؟، وما هي نتائج تجربة السودان مع الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العقد الماضي على الأقل؟
الخرطوم ... أزمة مياه رغم الدفع مقدماً
نظراً لطبيعة الاقتصاد السوداني الذي يعاني من معدلات عالية من الفقر تصل حسب تقديرات خط الفقر القومي إلى نسبة 46.5% من إجمالي السكان، نجد لذلك دلالات سلبية على معدلات الادخار، حيث تظهر بيانات عام 2014 أن إجمالي المدخرات الكلية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بلغت 10%، بينما الاستثمارات الكلية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بلغت 18%، وهذه الفجوة بين معدلات الادخار والاستثمار، يتم سدها من خلال مصادر عدة، منها الدين المحلي أو الخارجي، أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

أداء ضعيف


خلال الفترة من 2004 – 2014 لوحظ أن مساهمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السودان، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، كانت في أفضل معدلاتها في عام 2004، حيث وصلت إلى 7%، ثم أخذت في الانخفاض في عامي 2005 و2006 لتصل على التوالي إلى نسب 5.9% و5.1%، إلا أن عام 2014 يعد الأقل وفق هذا المؤشر، حيث بلغت نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة 1.7% من إجمالي الناتج المحلي للسودان.

وحسب إحصاءات قاعدة بيانات البنك الدولي، فإن السودان استقبل على مدار الفترة من 2004 – 2014 حوالى 19.3 مليار دولار كصافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو مبلغ شديد الضآلة من حيث احتياجات السودان للاستثمار والتنمية، أي أن المتوسط السنوي خلال العام بلغ 1.7 مليار دولار فقط.
وبينما نجد أن الأرباح التي حولتها الشركات الأجنبية المتواجدة في السودان خلال نفس الفترة قد وصلت إلى 16.7 مليار دولار، وبمتوسط سنوي يصل إلى 1.5 مليار دولار، وهو ما يعني أن الفارق بين إجمالي صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالسودان وما تحصل عليه الشركات من أرباح يتم خروجها من البلاد يصل إلى 2.6 مليار دولار.

مع الأخذ في الاعتبار أن ما يتم ترحيله من أرباح لا يعني انتهاء أعمال هذه الشركات بالسودان، ولكنها تمتلك أصولها وتستمر في استنزاف موارد الاقتصاد السوداني من خلال بوابة خروج أرباح النشاط الاقتصادي.
وتعكس الأرقام المعادلة المقلوبة لدور الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السودان، ففي عام 2008 بلغ صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي 1.6 مليار دولار، بينما بلغت الأرباح التي حققتها الاستثمارات الأجنبية في السودان، 4.3 مليارات دولار، وبذلك تعد الاستثمارات الأجنبية بالسودان عبئاً على الاقتصاد السوداني وليست مساعدة له.

وتأتي هذه النتيجة نظراً لطبيعة تواجد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أنشطة الاقتصاد السوداني، فبيانات وزارة الاستثمار بالسودان عن عام 2005 تبين أن قطاع الخدمات هو صاحب النصيب الأكبر من تلك الاستثمارات بنسبة 69.1% من الاستثمارات المتدفقة في نفس العام، وقطاع الصناعة 30.3%، وقطاعة الزراعة 0.4%.
وبلا شك فإن استهداف قطاع الخدمات من الاستثمارات الأجنبية يدل على نظرتها الريعية، فالعمل في قطاع الخدمات يحقق عوائد سريعة، ولذلك نجد الاستثمارات الأجنبية بالسودان تتواجد في قطاع الاتصالات، ولكنها تغيب عن نشاط النقل أو الطاقة، أو البنية الأساسية.

وكان يتوقع في ظل المزايا النسبية التي يمتلكها السودان في القطاع الزراعي، أن تحظى بنصيب وافر أو على الأقل يتجاوز تلك المعدلات شديدة الضعف، وبخاصة أنه بعد أزمة الغذاء في عامي 2006 و2007، اتجهت العديد من الدول العربية للاستثمار في السودان في المجال الزراعي.

معوقات تدفق الاستثمار للسودان


بلا شك أن تراجع معدلات تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى السودان له مجموعة من الأسباب، منها الوضع السياسي السائد بالبلاد، والذي يعاني من مشكلات وصلت إلى الحرب الأهلية والتي استمرت سنوات، وانتهت بانفصال جنوب السودان عن شماله، وهناك مشكلات أخرى في إقليم دارفور وغيرها من المناطق، تطالب إما بالانفصال أو بالحكم الذاتي.

والأمر الآخر يتعلق بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ عام 1989 من قبل أميركا، وهو ما أدى إلى عزوف غربي عن الاستثمار المباشر في السودان.
أيضاً تمثل البنية الأساسية المتواضعة في السودان أحد المعوقات الرئيسية أمام الاستثمار الأجنبي المباشر.
ويطل الفساد كأحد عوامل نفور الاستثمارات الأجنبية من التواجد في السودان، فمؤشر الشفافية الدولية أدرج السودان ضمن أفسد عشرة اقتصادات على مستوى العالم، حيث حلت في المرتبة 173 من بين 176 دولة، وحصلت على 11 درجة على مؤشر الشفافية الدولية المكون من 100 درجة.

وبلا شك أن لهذا التقويم دلالة سلبية، تجعل متخذ قرار الاستثمار يتراجع، لأنه سيجد نفسه أمام مدفوعات غير رسمية بصورة كبيرة، من شأنها أن تؤثر على نسب أرباحه، وبالتالي يفكر في أماكن أخرى أقل فساداً.

غياب الأجندة الوطنية


كثيراً ما تقع الدول النامية والأقل نمواً تحت وطأة الحاجة لقبول شروط المستثمر الأجنبي، دون أن تضع أولوياتها التنموية في الاعتبار، والسودان واحدة من تلك الدول، تتصور عبر الآلية الأخيرة التي تنوي الشروع في تطبيقها، أن تؤدي إلى المزيد من تدفق الاستثمارات الأجنبية.

فحسب كثيرين فإن المستثمر الأجنبي لديه هدف واحد وهو الربح، ولا يعتني كثيراً بقضايا التنمية وأولوياتها، فهذه مهمة الحكومة، لذلك على حكومة السودان، أن تعيد النظر في تجربتها، خلال الفترة الماضية، وتضع أجندة تنموية تحدد دور الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

ثم تضع من محفزات الاستثمار وضمان وجوده من خلال التشريعات المناسبة، فلا تستوي المزايا المطروحة للاستثمارات الأجنبية في قطاع الصناعة لتلك الممنوحة لقطاع الخدمات، فقطاع الصناعة ينبغي أن يعطى أولوية في منح المزايا والضمانات لما يحقق من قيمة مضافة عالية، ووجود فرص عمل دائمة ومستقرة، وكذلك تحسين أداء الميزان الجاري، ويعمل على سد الفجوة الدولارية التي تعاني منها السودان منذ فترة، وبخاصة بعد انفصال جنوب السودان وتراجع العائدات النفطية بشكل كبير.